فريدريك
سميث مؤسس شركة "فيديرال إكسبرس"، أول شركة بريد سريع في العالم استطاعت
أن تحظى بإعجاب واحترام كبيرين، يقول عنه "هينز آدم" مدير خدمة العملاء في
فيديرال إكسبريس: "لو طلب فريدريك سميث من موظفيه، والبالغ عددهم 13000 أن
يصطفُّوا على جسر هرناندو دو سوتر في ممفيس، بالولايات المتحدة الأمريكية،
وأن يقفزوا من أعلى الجسر، أؤكد لكم أن 99.99% من الموظفين سيقفزون، إلى
هذه الدرجة يؤمن موظفو الشركة بمؤسسها الفذ".
أولًا ـ البداية:
(تحدد الأشياء التي تفكر فيها نوعية حياتك، فأنت تصبغ حياتك بألوان أفكارك)
ماركوس أوروليوس.
ولد
سميث في 11 يوليو 1944م في ماركس، ميسيسيبي، إحدى ضواحي ممفيس في الولايات
المتحدة الأمريكية، تُوفيَّ والده عندما كان عمره 4 سنوات وكان والده قد
جمع ثروة من جهده وعرقه وأسس سلسلة مطاعم ناجحة تحت اسم Toddler House وشركة للحافلات، لكن سميث لم يعر أموال والده اهتمامًا؛ لأنه كان لديه شغف بالتميز والاستقلالية.
وُلِد
سميث وهو مصاب بمرض اسمه "كالفي" وقد أثر هذا المرض في حركته، وكان يسير
على عكازين معظم طفولته، تعبت أمه كثيرًا لتشعره بأنه طبيعي، وحتى لا تتأثر
معنوياته، شجَّعته على حب الرياضة وتحسن وضعه بعدما صار باستطاعته المشي
والركض ولعب كرة السلة وكرة القدم، وأصبح أفضل لاعب في جامعة ممفيس، كما
عشق كرة المضرب وتميز بها.
تخرج
سميث من جامعة "يال" حاملًا شهادة في الاقتصاد العام 1966م، وانخرط في
البحرية واكتسب خبرة لا بأس بها في حرب فيتنام، وزادت هذه التجارب من حبه
للمخاطرة والمغامرة، وتزوج مرتين وأنجب سبعة أولاد.
ثانيًا ـ فيديرال إكسبريس:
من
المفارقات أن سميث لم يبدأ المشروع بتقديم خدمة البريد السريع لعامة الناس
والشركات، لكن المشروع بدأ عندما فكر في إنشاء شركة لنقل النقد الاحتياطي
الفيدرالي من منطقة إلى أخرى؛ مما يوفر على الحكومة 3 ملايين دولار، تعطى
كعهدة نقدية حسب تقدير سميث، وهكذا، فإن اسم شركة فيديرال إكسبريس انبثق من
هذا المبدأ.
العقد
الذي ناقشه سميث مع السلطات الفيدرالية لم يتحقق أبدًا؛ لأن المفاوضات
فشلت، لكن صاحب الشخصية المخاطرة كان قد اشترى طائرتين، ودفع كل ما ورثه من
والده، ما اعتبره الكثيرون جنونًا، بخاصة أن الحكومة لم تكن قد وافقت على
المشروع بعد.
تم
الإعلان عن المشروع عام 1971م، وكان لدى سميث البالغ من العمر 26 سنة شركة
وطائرات ولكن من دون عقود من الحكومة، وعن ذلك يقول: (لو أنني نجحت في
توقيع عقد نقل النقد الاحتياطي مع الحكومة، اعتقد بأن شركة فيديرال إكسبريس
لن تكون على ما هي عليه الآن من حيث النشاط؛ لأن فكرة تقديم خدمة النقل
السريع للعامة لم تروادني إلا عندما فشلت في توقيع العقد مع الحكومة، كان
علي أن أبتكر لكي أستمر).
يقول
سميث: (إن ما شجعه على تأسيس فيديرال إكسبريس كان التأخير الواضح في تسليم
أي شيء يريده الناس عبر الشحن الجوي داخل الولايات المتحدة الأمريكية).
فانظر
ـ عزيزي القارئ ـ إلى إصرار فريدريك سميث وعدم اكتراثه بأصوات أولئك
المثبطين، ولعله قد اتخذ من كلمات إيفون جولاجونج قوة دافعة له حين يقول: (عندما كان الجميع يقولون لي إنني لن أصلح لأي شئ بعد الآن، كان ذلك يدفعني أكثر للأمام).
ثالثًا ـ معوقات النجاح:
بدأت
المرحلة الفعلية لفيديرال إكسبريس في أبريل 1973م، وعانت كثيرًا خلال
الأعوام الأربعة الأولى، غير أن قرار سميث بعدم الاستسلام، مهما حصل أثبت
صوابه، وأصبحت فيديرال إكسبريس في العام 1983م أسرع شركة في التاريخ تحقق
مدخولًا بلغ مليار دولار.
أمضى
سميث أيامًا صعبة وهو يحاول إقناع المجتمع المالي بصلاحية فكرته وجدواها،
فالكل كان خائفًا من خدمة التوصيل السريع، حتى شركات الشحن والطيران كشركة
أميري، وشركة إيربورن، وشركة النمر الطائر،لم تخاطر بهذه الفكرة لخوفها من
المجهول والفشل، لكن سميث الذي عاش كوابيس مرعبة خلال البداية أثبت للجميع
أن إيمانه بفكرته قد أثمر نتائج باهرة.
ويقول
سميث عن المدة العصيبة تلك: (لا يوجد شخص على وجه الأرض يستطيع أن يحس بما
مررت به خلال الأيام العصيبة، كان الضغط النفسي والمادي مرهقًا، وقابلت
مئات الأشخاص لإنقاذ الشركة، ولا أعرف كيف استطعت إدارة الشركة، وكيف وجدت
الوقت الكافي لمقابلة مديري البنوك ومئات الأشخاص، كنت واثقًا من نجاحي،
ومرت أيام كنت أعتبر نفسي محظوظًا؛ لأنني ما زلت أذكر اسمي).
ولكن
فريدريك سميث لم يفقد الأمل في نجاحه للحظة، وفي نفس الوقت لم يتردد في
السعي نحو تحقيق أهدافه؛ لأنه يعلم أن التردد وفقدان الأمل من أخطر العقبات
التي تعترض طريق الناجحين، تمامًا كما يقول عمر المختار: (التردد أكبر عقبة في طريق النجاح).
رابعًا ـ شخصية ناجح:
كان لدى سميث فلسفة تقول: " الناس أولًا، ثم الخدمة المميزة، ثم الربح"، وهكذا لم يكن هناك أي شك في أن يأتي الناس ـ بمن فيهم الموظفون ـ في المرتبة الأولى.
ومما
دعم نجاحه أيضًا سمعته الممتازة، فهو القائد الذي يعرف ماذا يريد، ولديه
الاستعداد التام لدفع الثمن للحصول على ما يريد، مهما كان مرتفعًا، لا نعني
هنا الثمن المادي، إنما الثمن المعنوي من جهد وتصميم وتضحية وعزم).
وفي
نفس الوقت كان فريدريك سميث يحب المخاطرة بشكل يعتبره البعض جنونًا، حتى
بعد نجاح فيديرال إكسبريس، ففي عام 1980م وبينما كان الجميع مأخوذًا
بالنجاح، لم يكن سميث مكتفيًا بما وصل إليه ولذلك ابتكر Zapmail"" وهو نظام لنقل الملفات عن طريق الفاكس تفردت به في وقتها، والتي كلفت فيديرال إكسبريس 350 مليون دولار خسائر في أواسط 1980م.
وبعدها
صدم العالم أجمع في عام 1989م عندما اشترى شركة طيران النمر الطائر بمبلغ
880 مليون دولار، ما رفع ديون شركته إلى مليار و400 دولار، ويبرر سميث
أفعاله بقوله: (لكي تبني مؤسسة كبيرة وناجحة عليك أن تدفع الثمن غاليًا،
بخاصة على الصعيد الشخصي، ولن تعرف القيمة الحقيقية للثمن الذي ستدفعه إلا
بعد وقت طويل من دفعه، فلماذا نخاف إذًا؟ يجب أن نكون مستعدين لدفع الثمن
مهما كان غاليًا إذا أردنا أن ننجح، كثير من الناس يعتقد أنه يستطيع أن
ينجح بالكلام والأحلام فقط، لكن الواقع يختلف، وهو يحتاج إلى شجاعة وتصميم
ومغامرة وفعل).
ووقتها
شكَّل شراء طيران النمر الطائر أخطر مغامرة قام بها سميث حتى يومنا هذا
واعتبر مغامرة باهظة الثمن، وكان المراقبون في وول ستريت يشككون في سميث،
إذ كيف يدفع شركة ناجحة إلى حافة الهاوية بشراء شركة جديدة، صعبة وغير
مضمونة، لكن سميث كان يعتقد بأن الخطوط التي فتحتها شركة النمر الطائر
للطيران ستساعد فيديرال إكسبريس على التطور وإرضاء الزبائن بشكل أفضل، وكان
النقد الموجه من الآخرين يركز على أن دمج شركتين سيؤثر سلبًا في الموظفين
القدامى، والذين سيتأثرون بموظفين جدد تحكمهم عقلية مختلفة لعملهم تحت
إدارة مختلفة، لكن سميث كان مؤمنًا بنجاحه وبأفكاره.
وبأرقام
مختصرة يستطيع أي إنسان أن يعرف ما فعلته هذه الشركة بقيادة سميث، فقد وصل
عدد أسطول طائراتها إلى 396 طائرة، 29000 سيارة شحن، 25000 موقع تسليم
وتسلم، 297000 اتصال يومي في شبكة تربط وسائل النقل مع الزبائن والمراكز،
وتوصل هذا النظام إلى تسليم وتوصيل آلاف الرسائل والطرود يوميًّا في 119
دولة.
وفي
أواخر التسعينات مضت فيدإكس في عمليات تملُّك وفرت لها أرضيات جديدة
وإمكانات في الشحن إضافة إلى خدمات النقل والخدمات التكنولوجية، وفي عام
2004م اشترت شركة "كينكوز" مقابل 2.4 مليار دولار، وهي شركة توفر الخدمات
المكتبية والطباعية بالتجزئة؛ وذلك من أجل إضافة المزيد من منافذ التوزيع
والاستغلال.
وختامًا:
ونختم
بما قالة سميث في مقابلة أجرتها مع جريدة "إنفستورز بيزنس دايلي" في عام
1998م، حيث قال: (إن التحلي بالعزيمة المطلقة في إنجاز أمر ما رصيد هام،
وهام جدًا، يصاب الكثيرون بالإحباط نتيجة لتعرضهم للشدائد أو وقوعهم في
الأخطاء، إذا أبقيت عينيك مركزتين بثبات على الهدف الذي تنوي الوصول إليه،
وكنت عازمًا على الوصول إليه، فإن ذلك يساوي الكثير).
هذه
هي المعاني التي وضَّحها لنا سميث: العزيمة، التفاؤل، تحديد الهدف،
النجاح، وهي التي تعطي لنا مثالًا نتعلم منه كيفية الوصول للنجاح.
أهم المراجع:
1- أيتام غيروا مجرى التاريخ، عبد الله صالح الجمعة.
2- نخبة القادة الإداريين، موكول بانديا وروبي شيل.
3- قرارات تغير حياتك، هال إوربان.
4- أفضل ما قيل في سحر التحفيز، كاثرين كارفيلاس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق