الخميس، 24 أكتوبر 2013


أدّت ثورة المعلوماتية إلى ثورة من نوع آخر في عالم الأعمال والشركات، خصوصاً مع بروز ظاهرة الشركات المبتدئة التي حملت اسم «ستارت آب» start-up، وتحوّل كثير منها لاحقاً الى مؤسسات راسخة. ولوحظ أن معظم ابطال هذه الشركات، التي تكاثرت كالفطر في تسعينات القرن الماضي ثم انحسرت في مطلع القرن 21، هم من الشبان والجامعيين، بل أن بعضهم كان في سنيّ المراهقة. ولعل المثال الأبرز، والذي ما زال ناجحاً، هو شركة «جوجل» Google، التي صارت مُحرّك البحث الأكثر استخداماً على الشبكة الالكترونية الدولية. ففي 15 أيلول (سبتمبر) 1997، قام الطالبان لاري بيج وسيرغي برين في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا بشراء وحجز اسم النطاق «جوجل. كوم»، وهي الخطوة التأسيسية الأولى للشركة. ولم يكونا قد تجاوزا الـ24 سنة من العمر. وأُعلنت الشركة من مرأب خلفي في منزل أميركي متوسط المستوى، في ولاية كاليفورنيا. وتمثّل الهدف الاساسي من البرنامج الذي صنعه بيج وبرين في وضع كشوفات وفهارس لمحتوى صفحات الشبكة العنكبوتية، التي كانت في عهد انتشارها الأول.
واستوحى الطالبان اسم «جوجل» من كتابات عالم الرياضيات أدوار كاسنير. ففي سنة 1938 سأل ذلك العالم حفيده ميلتون سيرونا عن كلمة تُعبّر عن عشرة مرفوع الى قوة مئة، أي واحد وبجانبه مئة صفر. فاقترح الطفل البالغ حينذاك من العمر 8 سنوات، كلمة «جوجل». وجاء اختيار الاسم ليرمز إلى استعداد الطالبين للتعامل مع الكم الهائل من المعلومات والوثائق والنصوص المتاحة على شبكة الانترنت. ودخل محرك البحث «جوجل» نطاق العمل رسمياً في 17 أيلول (سبتمبر) من العام 1998 مع مغادرة الطالبين الجامعة. منذ بدايته اعتمد «جوجل» الرياضيات كأساس في عمله. والأهم هو أن أصحابه وضعوا جداول عددية واستخدموها في صنع كشوف عن محتوى شبكة «الويب»، وتوخوا أن تسهل الكشوف عملية البحث عن المعلومات بصورة جيدة وفعالة. ويعني ذلك أن اسلوب البحث عند «جوجل» يُركّز على الحصول على المعلومات المفيدة عند الطلب من خلال البرامج والجداول العددية الموضوعة لذلك الهدف. إن تلك الجداول العددية، التي يُشار اليها أيضاً باسم «الجداول الخوارزمية» (Loghrythmic Logs) مصممه لفهرسة بلايين الصفحات التي تحتوي على النصوص والصور والأصوات وأشرطة الفيديو وغيرها. ونشير ان صفحة الاستقبال في «جوجل» لم تتغير منذ 10 سنوات، لكن الوظائف يؤديها ذلك المحرك، وكذلك الخدمات التي يُقدّمها لزواره، ازدادت وتعددت وتشعّبت بطريقة هائلة. ويعتبر «جوجل» محرك البحث الأول حالياً على الشبكة العنكبوتية. ويقدّم مواده بـ 35 لغة. وقد تطوّر في السنوات العشر الماضية بالنسبة إلى قدرته على التفتيش عن المعلومات في وثائق متعددة الشكل كالـ«ب. د. ف.» format PDF و«فلاش» Flash و «وورد» Word. وينبع جزء من أهميته، وبالتالي نجاحه، من الاعلانات ومن شرائه بنوك المعلومات وقواعدها Data Base وأرشيفات التبادل المعلوماتي. وعلاوة على امكاناته كمحرك بحث، فهو يعطي مستخدم الانترنت مجموعة أخرى من المحركات والخدمات مثل البريد الإلكتروني «جي مايل» GMail الذي انشئ في العام 2001، و«سكولار» scholar للتفتيش عن المنشورات والمواضيع العلمية، و«موبايل»mobile للتفتيش عن المعلومات عبر الخليوي، «اس ام اس» SMS beta version وهو برنامج قيد التجريب يهدف لتبادل رسائل الخليوي القصيرة عبر «الويب»، «ايماج» image للبحث عن الصور (وقد بدأ عمله في عام2001 و«كاتالوغ» catalogue للتفتيش عن السلع، وBlogger لخدمة صفحات المُدوّنين الالكترونيين، و«فروغل» Froogle للشراء عبر الانترنت، و«ديفينشن» (ومعناها تعريف) definition لإيجاد تعريف لكلمة أو مصطلح، و«آنسرز»(ومعناها أجوبة) answers للإجابة عن سؤال بلغة طبيعية مثلاً «ما اسم رئيس وزراء العراق» (وهذه الخدمة غير مجانية)، و «مابس» (ومعناها خرائط) Maps للحصول على خرائط تفصيلية، «إرث» (ومعناها «أرض») Earth التي تُعطي صوراً فضائية تفصيلية عن المدن والقرى والدساكر ومعظم الأمكنة، و«سكاي» (ومعناها «سماء») sky للحصول على صور عن الأرض والنظام الشمسي والفضاء الخارجي، و«ترانسلايت» (ومعناها «ترجمة») translate و«توك» talk (ومعناها «محادثة») لغرف الدردشة وغيرها. الترفيه البصري الرقمي وإعلامه بعد فشل تجربة تلك الشركة في مجال الترفيه البصري الرقمي، كما اتضح من فشل «جوجل فيديو»، اشترت المؤسسة عينها موقع لتبادل أشرطة الفيديو، واسمه «يوتوب» Youtube بقرابة 1.65 بليون دولار، في تشرين أول (أكتوبر) 2006. وغالباً ما تقع «يوتوب» في مشاكل قضائية لعدم مراعاتها الملكية الفكرية لأصحاب أعمال الفيديو. فمثلاً، تطالب شركة «فياكوم» Viacom المتخصصة في مواد الترفيه البصري الرقمي، موقع «يوتوب» بمبلغ بليون دولار بدعوى عدم مراعاته قوانين الملكية الفكرية الاميركية. وتفيد بعض الإحصاءات ان «يوتوب» تعرض 160000 فيديو منتجة من شركة «فياكوم». ونشير إلى أن «يوتوب» بدأ بوضع عقود مع المحطات المتلفزة لنشر مواد بصرية - سمعية، تشمل أشرطة الفيديو، بصورة قانونية. علماً أن قرابة 70 مليون مستخدم يتابعون يوتوب دورياً. لقد أصبحت مجموعة «جوجل» شركة عالمية من الطراز الأول. تدير آلاف الاعلانات على شبكة الإنترنت. وقد تعدى رأسمالها الـ13 بليون دولار. وهي تساهم في مشاريع عدّة من ضمنها مخطط طموح لرقمنة كل كتاب قابل للتداول العام من خلال موقع «ديجيتايزد» digitized ، ومشروع لإطلاق خليوي خاص بتلك الشركة، وكذلك تطوير مشاريع بيئية والمساهمة فيها. إن البقرة الحلوب عند «جوجل» هي الاعلانات، أي الروابط التي تقود المستخدم الى إعلانات عن سلع أو خدمات. ففي نيسان (ابريل) 2007 اشترى «جوجل» بـ3.1 بليون دولار برنامج «دوبل كليك» Double Clic الذي يلاحق مستخدمي الانترنت لكي يعرف إلى اين ترسل الاعلانات المختلفة. وثمة شكوى رائجة من إقدام «جوجل» على تخزين المعلومات عن الذين يستخدمونه. ففي كل مرة نقوم بها بالبحث عن المعلومات، يخزن ذلك المُحرّك عنوان الكومبيوتر والزمن والوقت ونظام التشغيل المستخدم وكلمة السر المستعملة وغيرها. ويعتقد كثيرون أن هذا الكم الهائل من المعلومات تُباع إلى المعلنين الذي سيستخدمونها ليوجهوا اعلاناتهم حسب الكلمات الأكثر استعمالاً أثناء البحث مثلاً. يتعرض «جوجل» دوماً لنقد مفاده ان الأعمال والخدمات التي يُنجزها لا تتفق مع حماية الخصوصية الفردية وسريتها. ومن ناحية ثانية، تظهر أسئلة كثيرة حول توافق خدماته مع الملكية الفكرية، كما يظهر من سلسلة الدعاوى التي واجهها موقع الأخبار في ذلك المحرك، وخصوصاً تلك التي قادتها نقابة الصحافة البلجيكية و «الوكالة الفرنسية للانباء» «أيه اف بي» AFP. وقد تقدمت «أيه اف بي» بدعوى ضد جوجل في فرنسا في العام 2005. وادّعت أن الموقع أهمل حقوق المؤلف من خلال نشره صور الوكالة من دون علمها. ونشير أن خدمة «نيوز» (ومعناها «أخبار») تقدم على موقع «جوجل» بأربعين لغة، وتُقدّم أخباراً أخذت عن وكالات الأنباء. وعلى نقيض هذه الصورة، وقع «جوجل» أخيراً عقداً مع «وكالة الاسوشييتد برس» Associated press تسمح له بأخذ الأخبار عن الوكالة ووضعها على صفحات «نيوز». نشير أن الدول الأوروبية ستضع في 2009 نظاماً لحماية تداول المعلومات وإمكانية تخزينها والفترة المعطاة لذلك. وبالنسبة الى مراعاة الخصوصية الفردية، أعلن «جوجل» أنه سيمحي ما تراكم خلال 9 سنوات من المعلومات المخزنة على حواسيبه، والتي تتعلق بمستخدمي الانترنت، وذلك حتى أواخر 2007. وللتوضيح، فإن ذلك لا يعني التخلص نهائياً من المعلومات، بل تحويلها الى معلومات سرية أو غير متداولة. وبدأ هذا المحرك العمل باللغة الصينية في أوائل 2006 ولكنه قبل الخضوع لرقابة الدولة هناك. ونجم عن ذلك أن بعض طلبات المستخدمين باللغة الصينية لا تعطي أي معلومات إذا كانت الكلمات – المفاتيح المستخدمة في البحث مصنّفة من قبل الدولة على أنها «معادية» أو «تمس الأمن القومي». وهكذا، فإن كلمات مثل «تيبت» أو «الرقابة» أو «الشيوعية» أو «حقوق الإنسان» لا تلاقي إجابات شافية. في مهب البورصات وتقلباتها لقد دخل «جوجل» البورصة في آب (أغسطس) من العام 2004 بأسهم يساوي الواحد منها 85 دولاراً. ووصل السهم راهناً إلى 525 دولاراً، فيما بلغ رأس المال البورصي إلى 164 بليون دولاراً. وفي 2006 سيطر «جوجل» على ثلث الاعلانات على الانترنت، وقدرت أرباحه منها بنحو7، 2 بليون دولار. ويُشغّل «جوجل» 13700 عاملاً، ويتبع سياسة أن كل عامل داخل المؤسسة هو مُجَدّد ويجب عليه أن يعمل 20 في المئة من وقته على مشاريع شخصية تساهم في تطوير محركات البحث.
تبلغ ثروة كل من صاحبي «جوجل» حوالي 16 مليون دولار، كما يقدر رأسمال الشركة بنحو 13 بليون دولار. ويمتد المقر الرئيسي على مساحة 9300 متر مربع. وقد اشترى مؤسسا «جوجل» الكاراج الذي انطلقوا منه بمبلغ لم يعلن عنه، وكان أجره في سنة 1997 حوالي 1700 دولار. وتعتبر صاحبة الكاراج من اهم مدراء «جوجل». ويُقدّم الموقع خدمات مدفوعة مثل «ميني» mini وهو برنامج متخصص بالتفتيش عن المعلومات داخل المؤسسات، كما يستطيع التعامل مع المعلومات الرقمية بكل اشكالها.
 
 
 
اما عن تطور جوجل نحو الافضل من ناحية التفتيش عن المعلومات بطرق «ذكيه»، لان الطرق المستخدمة حتى الآن غير كافية وبسيطة، فإن القيمين عليه يحاولون ذلك من خلال ادخالهم تقنيات الذكاء الاصطناعي على أعمالهم. عبر لاري بيج عن هذا الأمر في 19 شباط (فبراير) 2007 أثناء مشاركته في مؤتمر عن جوجل امام طلاب جامعيين. وأعلن أن شركته بصدد تطوير محرك البحث «ألتيم» ultime الذي يوصف بأنه سيفهم كل شيء ويأتي بالجواب على كل شيء، عبر استخدام اللغة الطبيعية العادية في طرح السؤال. ان قوة جوجل تكمن في جداوله العددية (اللوائح الخوارزمية) التي تحدد الإجابة عن طلب المستخدم من خلال مقاربة الكلمات المفاتيح مع كلمات النص مدعومة بإحصاءات حول العلاقات النصيه التشابكية. وكذلك يعطي أفضلياته بناء على احصاءات عن عدد الاستخدامات السابقة. كما انه يعتمد على «اللغة البولينية» Boolean المؤلفة من مجموعة الرموز المنطقية مثل «أو» or و «و» and و «ليس» not و «قرب» nea، وكذلك الاشارات الرياضية كالجمع والمزدوجان لتحديد كلمات الطلب وترابطهم وغيرها. وتشير كلمة «بوليني» إلى عالم المنطق الانكليزي جورج بوول Georges Boole الذي ابتكرها كأسلوب لتعامل علم الرياضيات مع اللغة. ولكن حتى الآن لا يوجد برامج تعتمد على الذكاء الاصطناعي والمعالجة الآلية للغات تابعة لجوجل وموضوعه قيد الاستخدام العام للتفتيش عن المعلومات، بمعنى قدرتها على التعامل مع السؤال المكتوب بلغة طبيعية من دون اللجوء إلى معادلات شبه رياضية. ومن ناحية ثانية، فإن وجود كلمات - مفاتيح داخل أحد النصوص لا تكفي للإشارة إلى أهميته بالنسبة إلى مجمل ذلك النص. وفي سياق متصل، دفع شيوع استعمال الترجمة الآلية «جوجل» لإنشاء مختبر للترجمة الآلية. ويستخدم المختبر التقنيات الإحصائية والنظريات الإحصائية في معالجة اللغة. وبحسب «المعهد الوطني للمعاير والتكنولوجيا» فإن نتائج مترجم «جوجل» هي الأولى بين 39 مترجماً آلياً. وأخيراً، فبعد سيطرة «جوجل» على الارض والفضاء الافتراضيين، سيحاول الوصول إلى القمر عبر مساهمته في مشروع «مون 2» Moon.2.0. وتبرع المحرك بنحو 30 مليون دولار لمنظمة «إكس برايز فاونيدايشن» X prize Foundation لتشجيع صنع أول مركبة فضاء من قِبَل القطاع الخاص. وفي أفق المشروع أن تتمكن سفينة فضاء خاصة من الوصول الى القمر ومسحه والعودة بأشرطة مصورة عنه لوضعها على موقع «جوجل».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق