من أين يحصل صاحب
المشاريع على الأموال ليحول حلمه إلى حقيقة؟ تاتي الأموال من مصادر متعددة،
لكن في حالة والت ديزني بدأ كل شيء بطريق ورق سري.
بعد أن ولد في شيكاغو
وتربى في مزرعة صغيرة في ميسوري، انتقل والت ديزني إلى كنساس سيتي مع
عائلته عندما كان في العاشرة من عمره. عمل هو وأخوه بدون أجر في توزيع
الصحف لصالح شركة التوزيع التابعه لوالده. وحالما كان يجد زبونا جديدا، كان
والت يتجاوز والده ويشتري أعداد إضافية من مكاتب الصحف مباشرة، مؤسسا بذلك
طريقه الخاص. وبواسطة أرباح مشروعه الخاص، كان قادرا على تلبية رغبته
بشراء الحلوى من دون علم والديه اللذن كانا يمنعان الحلويات في المنزل.
ومن هذه البداية نمت
وتفرعت مشاريع ديزني في الحياة. فعندما كان مراهقا كذب بشأن عمره ليلتحق
بالصليب الأحمر للخدمة في الحرب العالمية الأولى كي يلحق بأخيه الأكبر روي
الذي كان يحبه كثيرا. وتعلم لعب البوكر بشكل جيد، كما بدأ لعبة احتيال خاصة
به وهي بأن يعالج الخوذ الألمانية التي جمعها من أرض المعركة، بحيث تبدوا
وكأن أصحابها الأصليين قد أصيبوا في الرأس. وكان يبيعها كـ “تذكارات حربية
أصلية” على الجنود الذين يمرون على مراكز الصليب الأحمر. وقد جمع والت ما
اعتبره ثروة صغيرة ليرسل النقود إلى أمه حتى توفرها له.
عند عودته إلى الوطن في
نهاية الحرب، حاول أن يحقق حلم طفولته بأن يكون رسام كاريكاتير في صحيفة.
ومع أنه أظهر موهبة فنية، إلا أنه لم يستطع إبداع الكاريكاتير الساخر من
النوع الذي تريده الصحف. ويسبب إحباطه المتكرر في شيكاغو، انتقل والت إلى
مدينة كانساس سيتي مع أخيه روي الذي وجد له عملا في الرسوم التوضيحية
للإعلانات والمواد التعريفية (الكاتالوجات).
انضم والت إلى فريق من
الرسامين المهرة الذين قابلهم في عمله الأول، أقنع والت ديزني ناشرا محليا
بأن جريدته المنبوذة، ذات الميزانية الضئيلة، سوف تتحسن جدا بإضافة
الإعلانات التوضيحية. واستخدم والت 250 دولارا من مدخراته في الحرب لشراء
ما يكفي من أدوات وتجهيزات للبدء في المشروع.
وبعد ذلك بمدة وجيزة،
انتقل “ايويركس” و “ديزني” إلى مكتب حقيقي حيث كان لدى الاثنين ما يكفي من
مال لحضور دار السينما المحلية، حيث كانا مفتونين بأفلام الكرتون. وفيما
بعد، استجاب ديزني لإعلان من شركة “كنساس سيتي فيلم آد” (Kansas City Film AD Company)
التي تقدم الدعاية للأفلام بطلب رسام كرتون وسعى لبيع خدمات الشراكة.
وعندما علم أن العمل قد عرض عليه لوحده، تخلى عن نصفه في الشراكة مع
ايويركس ومضى خارجا من أعمال الرسوم التوضيحية.
وبسرعة أصبح ديزني نجما
في الطاقم الفني، لكنه لم يبق طويلا مع شركة قبل أن يؤسس شركته الخاصة
للإنتاج وهي شركة “لاف-أو-غرام فيلمز” (Laugh-O-Gram Films, Inc.).
وفي محاولة لجمع رأس المال اللازم للتفرع من الإعلان، باع ديزني حصصا من
شركته إلى مواطنين محليين. وبرأسمال يبلغ 15000 دولار، أنتج فلمي كرتون
قصيرين اعتمادا على قصص خرافية وتم توزيعهما في أنحاء البلاد. وبالرغم من
أن الفلمين حظيا بشعبية واسعة، إلا ان ديزني لم يحصل على كثير من الاموال
مما قاده سريعا إلى الإفلاس. لكنه استطاع انقاذ جهاز كاميرا ونسخة من عمله
الأصلي “أليس في بلاد العجائب” من أيدي الدائنين. وبعد جمع بعض المال من
بيع الصور الفوتوغرافية لصالح بعض الصحف المحلية، توجه ديزني غربا نحو
هوليوود ليبدأ من جديد.
استخدم والت نسخة فيلم
“أليس في بلاد العجائب”، والفيلمين القصيرين لعرض لموهبته، واعتمد على
سحره، والعلاقات القديمة، والعائلة في للحصول على الدعم المالي. فعلى سبيل
المثال، وافق عميل لشركة “لاف-أو-غرام” على تمويل إنتاج عدد من مغامرات ”
أليس” ودعمه أخوه، روي، في صفقات تجارية، وجدد بعض مؤيديه القدامى في كنساس
مساهماتهم. ومرت شركة ديزني بروداكشنز” بدورات من الرخاء والبلاء يمكن
إرجاعها إلى نزعة المؤسس نحو الكمال، وعندما حصل لديزني ما أراد، كانت
منتجاته رائعة ولكن غالية الثمن، ليجد الأخوان ديزني نفسيهما مقلوبين على
رأسيهما في التعامل مع صناعة الصور المتحركة. وبالرغم من أن اسم الشركة
أصبح معروفا عالميا، إلا أنه كان صعبا عليها أن تحقق الأرباح.
تمثلت نقطة الانعطاف من
حيث تحقيق الأرباح في إنتاج فيلم كرتون سينمائي طويل، وهو “سنو وايت
والأقزام السبعة “. فقد ظهر هذا الفلم في عام 1937 وكان نجم شباك التذاك.
ومن أرباح هذا الفلم، بدأ والت ديزني العمل على ثلاثة أفلام أخرى ووسع
الخطة والمرافق. وقد تم استكمال كل فلم من الأفلام الثلاثة، و هي “بينوكيو”
و “بامبي” و “وفانتازيا”، بإنفاق يزيد كثيرا عن الميزانية ولم تكن ناجحة
في البداية في السوق الأمير كية. ومما زاد الأمر سوءا، اندلاع الحرب
العالمية الثانية مع إصدار الأفلام الثلاثة، مما دمر السوق الأوروبية. ومع
ازدياد ديون الإنشاء، فإن البديل الوحيد للتمويل كان بيع الأسهم للجمهور.
وفي نيسان 1940 بيع 755.000 سهم عادي وتفضيلي، مما جمع حوالي 8 ملايين
دولار لرأس المال، مما أنقذ الشركة مرة ثانية.
بيد أن تحولها إلى شركة
عامة لم يكن الخلاص النهائي لـ “ديزني برودكشنز”. فقد كان والت ديزني، يدير
الشركة بسيطرة تامة على كل التفاصيل ولم يكن يحبذ تفويض أي مسؤوليات أو
واجبات إلى المساهمين. وقد أصبح والت تعبا من أفلام الكرتون والسينما، لذلك
حول اهتمامه إلى حلم آخر، وهو إقامة حديقة للتسلية. بيد أن روي لم ير في
ذلك مصلحة مادية، فأقنع مجلس الإدارة وبعض المصارف برفض طلب والت للحصول
على الأموال. وفي ظل حماسه الشديد للحصول على المال من أجل تحقيق حلمه،
تحول إلى مصدر مختلف لرأس المال: وهو التلفزيون. وبالرغم من أن التلفزيون
كان أحدث وسيلة للتسلية وأكثرها شعبية، إلا أن شركة “ديزني برودكشنز” قد
تجنبته، لأنها رأت أنه يحط من قدرها. وبما أن كل مصادر الايرادات الأخرى
كانت مسدودة، فقد وافق ديزني على إقامة مشروع مشترك مع “أي بي سي” (ABC)،
التي كانت الأصغر والأحدث بين شركات البث التلفزيوني. ومقابل 5 ملايين
دولار من التمويل للحديقة، وافق ديزني على بث ميكي ماوس في التلفزيون. ومنذ
ذاك الوقت لم تعد الأشياء على حالها أبدا سواء لقناة “أي بي سي” أو لشركة
“ديزني برودكشنز” أو لعامة الأمريكيين.
بحلول عام 2002، نمت شركة
والت ديزني ليصبح لديها 112 ألف موظف وما يزيد عن 25 مليار دولار من
العائدات. وبالإضافة إلى حدائق ديزني حول العالم، فقد منحت الشركة اسمها
التجاري عبر قنوات تسلية مختلفة بما فيها قناة ديزني التلفزيونية، وإذاعة
ديزني، وإنتاج ديزني المسرحي، ومخازن ديزني، وخط ديزني للرحلات البحرية
ومجموعة ديزني للإنترنت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق